بعد صدور روايتها الجديدة مروة كريدية تعالج عواصف الحياة بالنسيان
مصدر الخبر: سهام عبدالرحمن، ونُشر بواسطة: أبابريس شوهد 1311 مرة، منذ تاريخ نشره في 2013/10/30
عن دار النهضة العربية في بيروت صدر كتاب "عواصف النسيان" للأديبة اللبنانية مروة كريدية ، حيث تواصل في روايتها الجديدة الوقوف إلى جانب القضايا الانسانية ودعوة الانسان الى التحلي بالوعي واكتشاف الذات من خلال الحكمة والعرفان. وتطل للقارئ عبر مشاهد حوارية تناقش إشكاليّات كثيرة يعيشها المجتمع العربي ويعاني منها: الحرب الاهلية، نزاعات الطوائف والارهاب ، والمال والذكورة، الايمان الحقيقي و التدين الفاسد ... وفي الرواية الكثير من آراء الروائيّة في الحياة والمرأة والحب والمجتمع مما جعل شخصيّة "بنت النور " البطل الوحيد الذي يروي حكايات متسلسلة تشكل سيرة حياة .
وعن الرواية صرحت صاحبة "عواصف النسيان":"طيلة حياتي كانت أفكاري تمثل عقوبة لي، وتمنيت أن تكون الاحتفالية بهذه الرواية في غير تلك الظروف المتشنجة التي يعيشها لبنان والمنطقة في ظل ارهاصات واضحة لعودة الحرب الطائفية والمذهبية من جديد " وأضافت :" لقد كتبت هذا الاصدار في ظل مواجدي وعميق ذاكرتي حيث ملامح الطفولة العتيقة ، واختبرت ان الانسان ممكن ان يعود في ذاكرته بالتأمل الى ما قبل عالم تكوينه البيولوجي . وتروي النصوص قصة بنت عادية في مجتمع احترف الخداع حيث استطاعت ان تختبر بطيبتها وفطرتها السوية عمق مأساتهم وتحول الظروف المريرة إلى ابداع عبر اختبار التجربة الانسانية "
ووصفت كريدية كتابها بأنه ليس رواية ولا بياناً شعرياً ، بل يناقش قضايا محورية ويعالج أسئلة وجودية لا تخلو من اجابات فلسفية "
الشخصيّة الرئيسة في الرواية هي " بنت النور " التي تروي حياتها منذ ما قبل الولادة عندما أحست أمها بعلامات الحمل ، وقد جمعت المؤلفة بين وصف الألم والعمق الفكري والاحساس المرهف . حيث نشأت بطلة الرواية محبة للوحدة وعلى قدر كبير من العنفوان والاباء ، تحيطها عائلة متناقضة تواجه مشاكل جمة بين أم متطرفة دينيًّا وأب يعيش شبابا مسرفًا .
وتتمرد في مراهقتها على هذا التدين الفاسد وترفض التسربل بالسواد. وبمقاربة جميلة تتجاوز المألوف تمزج الكاتبة بين هذا الرفض للشعائر والشرائع بما يقابله من إيمان قلبي ومحبة باذخة لله الذي لا يرضى لمحبيه الكبت المغلف بالفضائل؛ وبأصالة فطرية تنطلق الى منبع النور بشكل سوريالي باهر عبر اختبارها منازل الوجد وانعتاق الروح من خلال الاحترام التام لنرجسية الجسد .
وتطرح الرواية كذلك إشكاليّة النزاعات الطائفية في لبنان إبان الحرب الأهلية وفساد رجال السلطة الذين يتاجرون بطوائفهم وبالقضية الفلسطينية، ويعملون على إعادة انتاج مجتمعات عنصرية ليضمنوا بقاء سلطتهم. ويستشف القارئ كيف ان الايمان يرتقي بالانسان فيما الطائفية محض تفريق ومكمن كل فساد.
وبقالب سردي جميل تقدم الكاتبة تعقيدات العلاقة المجتمعية التي تكرس الفوقية والعنصرية تجاه الفئات التي تعد أدنى فتعمل على اذلال المرأة وتشوه مفهوم الانثى وتضعها بمرتبة دنيا. حيث لا يُنظر اليها الا جسدا خانعا فيتعامل معها البعض على انها "عورة " يجب ان تُخبأ وتتسربل بالسواد ، فيما يراها آخرون "صورة" وجسدا مثيرا فيعملون على إخضاعها لعمليات التجميل المستمرة . وكلا الحالتين وجهان لعملة واحدة تذل المرأة الانسان قبل كل شيئ فتحولها الى كائن دائم الافتقار للرجل تبحث عن رضاه واشباع رغباته ولا ترى الأمان الا عبره .
تقول مؤلفة الكتاب:" دائرة السلطة مقلقة لا يعرف من فيها الامان ، والمرأة في مجتمعات التشظي كما الرجل تُربَّى على الخنوع والطاعة وهي الباحثة الدائمة عن الرجل او "الآخر" كي يمنحها الأمان العاطفي . فتمضي حياتها تختبر قلوب من حولها فتقع في دائرة القلق النفسي والتوتر. وتمام الحكمة ان تعي انسانيتها واستقلاليتها فتحترم جسدها وتكف عن مطاردة من تتوقع منه ان يحبها فالحب ليس امتلاكا ولا حتى مشاركة انه خبرة روح قبل كل شيئ وعلى حقيقته يحرر لا يستعبد كما هو متداول " .
تمزج الكاتبة في اسلوبها بين السرد والشعر، فتنتقل بالاحداث الواقعية عبر مقاربة ابداعية صوفية لتصل الى موسيقى كونية ينزاح فيها الزمان والمكان حيث ايقاع الوجود، فتكتمل السردية بالغنائية لنسج خواطر تأمليّة سريالية تَتصل بالعبر العرفانية وهو ماطبع الكتاب من بدايته بطابع خاص حيث اهدته الكاتبة الى من وصفتهم بروّاد العشق والجمال :" إلى الكِبْرِيتِ الأحمَر مُحيي الدِّين ابن عَرَبِي ..إلى نَاي جَلالِ الدِّينِ الرُّومِي ...إلى طُيورِ فَرِيدِ الدِّينِ العَطَّار ...إلى كلّ من يُدِينُ بِدين الحبّ"
لاقت مقتطفات من الرواية قبل صدورها انتشارا ًعبر موقع عبر صفحة الكاتبة ، حيث جاءت على شكل قصص وحكم صغيرة .
مقتطفات من الرواية تحت عنوان " الحرب وشرانق الطائفية ":
واقع الحرب صَادم! وعقلها أضيَق من أن يَستوعبَ كيف أن جارهم "الوفيّ" المكرزّ بدين المحبَّة والسلام، قد استولى على أرضهم ونَهب ممتلاكِاتهِم وحوّل دارهم مستودعًا لِسِلاح "حزبه"، وفناءه حَظِيرةً لبهائِمِه ! ولم يكن لديها الوَعي الكافي لتميز بين السلوك الشائن للتصرف الشخصيي وبين المجموعة الدينية التي لا تؤخذ بِجَرِيرة أفرادها ومُوبقَاتِهم ....
كَانَ اللُبنَانِيُّونَ حِينَهَا - كَمَا اليَوم - بِأبْدَانِهِم يَتَلاقُون، وبِأَلسِنَتِهِم يَتَشَاتَمُون و"يَتَشَامَطُون"، وَعَلى شَاشَاتِ الرَّدْحِ الاعْلامِيِّ "يَتَنَاقَشُون"، وللأحزاب يُؤسِّسُون، وللسِّلاحِ حَاملون، وفِي الأزِقَّةِ مُسْتَنْفِرُون، وللزَّعِيم طَائِعُون مُزعِنُون، وَفِي كلّ حِين يَجْمَعُون ويَطْرَحُون، غَير أَنَّهُم فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُون، ويَقُولُون عَلى الدَّوَام مالا يَفْعَلُون!
ومما نقرأه في القسم الثاني من الكتاب تحت عنوان " في قفص الاتهام " :
لن تُقدم "طقوسَ عبَادة العبيد" المُعتادة بعد اليَوم بَل سَتُنَاجِيه على طَريقَتِهَا، وَلَن تتبرقع بالذلّ والهَوان لأن المَحَبّة لا تَدخل الا إلى الصُدُورِ العَارِيَة، ولنْ تخجلَ بَعد الآن مِن جَسدهَا فَتخْفِيه بِسَرابِيل الجهَل وتخفيه بِجلبَابِ الغَبَاءِ الأسْوَد، وَلن تستسلم لِشريعة الجور المتَستّرة برياء "الفَضيلة".....
إيقاعُ خُطواتِ الحَبيبِ تُرَافقُهَا، وفي أُذنهَا تسمع حفيف أقدَامِه، وذرَاعهُ تلفُّ عُنقَها بِحَنانٍ غَريبٍ...تتَلمَّس ذراعه مُجددًّا وتَستَسلِم لَه دُون أن تُبْصِر في عَالَمِ الأبدَانِ شَيئًا!
وتحت عنوان "فاتنة تحت الحصار" نقرأ:
تُكَافِحُ الحيرة بِصَرف ذِهنِهَا المنفَعِل عَن تَصَارِيفِ الحيَاة، تَصطَاد الرُّقَى مِن كُتُب "التَّخدير الديني" و تتلو كَرَّاسَات "الوصايا" بانْتِظَام. تُمَانِع اليأس بالقنوط علَّهَا تؤنس "فراغها" المثقل بضوضاء الأحداث، تَستجْلب المواجد "السارة" علَّها تروّح عن قلبها "المنفطر"، وتنهار في زاوية سريرها تستجدي "النسيان"......
وَعِلمَ اليَقِينِ تَعلَم أنّ السَّعَادَة تَكمُنُ فِي أنْ نَرَى مَا حَوْلَنَا كَمَا هُو لا كَمَا نُريد، وأنّ دُرُوبَ الحَيَاة لا تُوطَأ أبَدًا مَرَّتَين، وَأنَّ النَّدَم عَلَى الخَطَأ غَلَط كبِير. وَأن اجْتِرارَ المَاضي بِزهورِهِ وَندُوبِه خُرُوجٌ عَن انسِجام الذَّات مَع آنَتِهَا الحَاضِرَة .
ونقرأ في مقدمة الكتاب :
عواصِفُ النّسيَان تروي معاناة عَبَرَت إلى صَمتٍ مَنْسِيّ، قَدَر حَاكه أشخاص حرَّكتهم عِلل فَتَبَلوَرَت في الحَيَاة موَاقف مؤذية، ولم يُسَبِّب انصرَام الوقتِ في انصرافِ شَيئٍ من الحَصَاد بِحلّوه ومُرِّه، وهو تَدوين حَليم لوعيّ النوايَا السَيِّئَة والطيبة جميعها و قطع الجذور عبر الغوص في التجربة و فهم مشاعر الكَراهِيِّة التي تَتلاشى بِحُكمِ نضج الحكمةِ وَتَمَامِ التَّأمُلِ واكتمال المحبَّة، فتغفر "بنت النور " خطايا مربيها وتجتاز الهوس والرغبة في التعويض. لقد تخلصت من ذاكرة مشحونة بأخبار صناع المجازر، وكقصبة فارغة تعزف جسدها قيثارة حبّ خالية عن الرغبات ، لقد اكتشفت لتوّها العلل الأولى لسبب المشكلات،وفتحت خزانة حياتها مشَّرعةً لعواصف تبدد المواجع
****
الكتاب : عَواصِف النِّسيَان
النوع الأدبي : نُصوص
المؤلف : مروة كريدية
دار النشر : دار النهضة العربية – بيروت
عدد الصفحات : 178 صفحة