مصدر الخبر: ، ونُشر بواسطة: عبدالله الحسني شوهد 1245 مرة، منذ تاريخ نشره في 2014/02/17
تنظم دار النشر و التوزيع المدارس بالدار البيضاء يوم السبت 22 فبراير الجاري، ابتداء من الساعة الثالثة و النصف عصرا، براوقها داخل المعرض الدولي للكتاب و النشر بالدار البيضاء، حفل توقيع كتاب " بركة الأولياء: بحث في المقدس الولوي" لمؤلفه عبد الرحيم العطري، و يشارك في حفل التوقيع الأساتذة: محمد الداهي، ياسين عدنان، أحمد زنيبر و منتصر حمادة.
يقول الدكتور العطري في تصديره لهذا الكتاب، بأن مهمته لا تنحصر في البحث عن"عقلنة" ممكنة لهذه الممارسات التي تتم في رحاب الأضرحة، و لا التأكد من وجاهتها أو محدوديتها، و أساسا في جوانب الكرامة و ما يتصل بها من انخراقِ عادةٍ و إبراءٍ و تيسيرٍ و مباركةٍ. ذلك أن الانهمام بحقل الإنتاج و التدبير الرمزي لحياة المجتمع يندرج في إطار فهم يعتبر أن رهانات الصراع والتدافع الاجتماعي ليست دائما، و بالضرورة، اقتصادية، فهناك جانب مهم من الحياة الرمزية يكون محور صراع وتنافس شديدين. و بذلك فما يهم بالنسبة للعطري هو السؤال عن الكيفيات التي يُعاش بها المقدس و يُستثمر و يُستنزل، يعد ضروريا لإدراك وتمثل مفهومه، فالتجربة التي تُختبر فيها العلاقة بين المقدس و الدنيوي، تصير مدخلا لفهم الأبعاد الاجتماعية لتدبير علاقات القوة و المعنى.
جاء الكتاب الصادر ضمن سلسلة المعرفة الاجتماعية لدار النشر المدارس في نحو 260 صفحة من القطع المتوسط، بغلاف دال يحمل لوحة تشكيلية لضريح سيدي ششكال المشهور بـ "حج المسكين"، فالهدف ليس الدخول في اشتباك فقهي مع الضرائحية، و لا البحث عن مسوغات اجتماعية لها، فالمهم هو ملاحقة الرموز و الطقوس.
في كل الممارسات الضرائحية، يقول العطري، يلوح الرمز و تتكثف الدلالة و تنكشف و تتحجب المعاني، و كأننا في جغرافيا لا نهائية من الأيقونات و الاستعارات، التي تتطلب نفسا عميقا للقراءة و الموضعة، يجعلنا نتذكر ما قاله موريس غودلييه يوما، و هو أن على الأنثروبولوجي أن يبلل قميصه عرقا « l’anthropologue doit mouiller sa chemise » من فرط التعب بحثا عن المعنى.
يضيف العطري قائلا بأنه غالبا ما يقترن الحديث عن الضرائحية بالشعوذة و تدوير كثير من الصور النمطية، الشيء الذي يلغي إمكانية التفكير في أبعاد هذه الممارسات و مدلولالتها الأنثروبولوجية، من هنا يتقدم الكتاب، بتواضع كبير، مقترحا الفهم أولا، للاقتراب من الوقائع بعيدا عن الصور النمطية التي تحيط بها. و عليه فالانكتاب، ليس بحثا في "تقويض" إيديولوجيا "الإسلام الشعبي"، و لا يقدم متنه على سبيل الاشتباك المعرفي مع دفوعات أي نمط من أنماط التدين المتنافسة في تدواليات الحقل الديني، فالغاية تتجاوز الاشتباك مع "الإسلامات" الأخرى المشككة في بركة الأولياء، و المكفرة أحيانا لمن يخطب ودها و يرجو "خدمتها" و يهفو إلى "بركتها". كما أن العمل، و هذا هو الأهم، لا يحاول تبرير هذا المسلك الاعتقادي، إنه بحث في الديناميات النفسية و الاجتماعية و الرموز و الطقوس الأنثروبولوجية التي تتواصل في نسق الولاية و الصلاح.
وعيا بحساسية المقدس و رمزيته الدالة نقترح مدخلا للتفكير في انبناءات و اشتغالات الولاية و الصلاح، عبر نموذج مدينة سلا التي عرفت تاريخيا بتجذر الظاهرة، إلى الدرجة التي جعلت توصيفها يلوح في كثير من المصادر باعتبارها "قبلة الصالحين و خلوة الأولياء"، بحيث تقول عنها الرواية الشفوية: "مين تدخل سلا، طلب التسليم، راه بين الخلفة و الخلفة كاين ولي"،(ما معناه: بين الخطوة و الأخرى هناك ولي صالح). فهذه المدينة الغارقة في القدم، كانت قبلة للصلاح منذ زمن بعيد، و إن كان ما وصل إلينا من الصلحاء ينتمي مجملهم إلى ما بعد القرن الخامس الهجري، فإن ذلك لا يمنع من القول بتجذر ظاهرة الصلاح الأوليائي خلال قرون سابقة.
إن مساءلة المقدس الولوي السلاوي في حركيته الروحية و امتداداته الاجتماعية و الثقافية يفترض فتح نقاش آخر حول الحضور الزاوياتي، و أدواره في ضبط أو تسريع هذه الحركية، خصوصا عندما نلاحظ ميدانيا ذلك الحضور المتواصل لعدد من الزوايا كالناصرية و التيجانية و الدرقاوية و الكتانية..، أو ذلك الحضور القوي لقبب الأولياء الصالحين التي تلوح في مختلف أزقة و مقابر المدينة (المدينة القديمة أساسا).، و هذا ما يطرح سؤال البدء: من ينتج ظاهرة الصلاح؟ هل تنتج من داخل المدينة أو من خارجها؟ و ما ضرورتها؟ و ما آليات اشتغالها؟
إن ما نتغياه، يقول الباحث، من البحث في ظاهرة الصلاح بمدينة سلا يتحدد في محاولة، لها ما لها و عليها ما عليها، ترمي إلى جرد شامل لمختلف الأضرحة الواقعة بمدينة سلا، من أجل اكتشاف دينامية هذا المقدس الولوي و بحث بعض من فعالياته و اشتغالاته، ذلك أن العلاقة بالمقدس تعد مدخلا مهما لفهم هذا المجتمع و القيم و المعتقدات و الاستراتيجيات التي تتفاعل فيه، فالمجتمع، أي مجتمع، يعيد إنتاج معطياته من خلال المقدس و المدنس و المجال و الذات والتقابلات أو الأزواج. و في ظل هذه التقابلات يتحول المقدس إلى أهم رهان سياسي، و بالضبط في مجتمعات يلعب المقدس فيها دورا مهما في استراتيجيات الشرف و العرض و البركة و الكرامة...ما يهم ليس السقوط في فخ "مع/ضد"، و إنما المهم هو فهم الممارسات و تأويلها، أملا في تحليل و تفسير استمرارية و رسوخ الخطاطة.