سنة 1958 - أممت أندونيسيا المصالح الهولندية في أراضيها سنة 1973 - أصدرت الأمم المتحدة قرارات معاقبة مجرمي الحرب، ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية سنة 1987 - وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 129 صوت، على عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط سنة 1990 - سقوط العاصمة الصومالية "مقديشيو" في يد المتمردين ضد حكم الرئيس الصومالي سيادبري سنة 1966 - وفاة المؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي. سنة 1920 - أرمينيا تنضم إلى الاتحاد السوفيتي. سنة 1921 - تولى جعفر والي باشا رئاسة الاتحاد المصري لكرة القدم. سنة 1967 - استطاع الطبيب كريستيان بارنارد من جنوب أفريقيا أن يزرع قلب إنسان في إنسان آخر لأول مرة في التاريخ. سنة 1971 - قامت الهند بشن غزو عسكري ضد باكستان وتمكنت من احتلال باكستان الشرقية. سنة 1992 - سمح مجلس الأمن للولايات المتحدة بقيادة عملية عسكرية عاجلة في الصومال.
كُتب بواسطة: عبد الرحيم كنوان، ونُشر بواسطة:
أبابريس شوهد 2708 مرة، منذ تاريخ نشره في 2013/11/21
الخطاب الروائي يحبل دائما بالعديد من الصور الموجودة في الحياة ، بل إن جنس الرواية هو صورة الحاصل فيها ، المسرود من أجل المستقبل ، فلا معنى لترسيم الأحداث و تدوينها و تأليفها فنيا دون أن يكون لها أثر الإفادة في الحياة و أثر التطلع إلى التخلص من ماهيات الأحداث و الوقائع التي تكون متزامنة مع التصورات التي يسرد بها الروائي أحداثه ، لكن تدوين الأحداث لا يكسبها طابعها الفني الروائي إلا بإضفاء الحياة الممتدة في الزمن فنيا على جميع الأحداث و الوقائع الروائية كي تنتسب هذه الأخيرة إلى جنسها الروائي، و ذلك بتوظيف آلية التخييل. و من ثم فإن استشراف الرواية على المتخيَّل الشعري يطبعها بصبغة الامتداد الزمني و الاشتغال على تحريك الضمائر و جعلها شريكة في التصور و شريكة في التخييل أيضا ، مما يجعل المتلقي للخطاب الروائي منتجا له من جديد بشكل تأويلي / تفسيري / إفهامي .
فكل شخوص الرواية تشارك بشكل أو بآخر في صنع الأحداث و الوقائع و في توليد الأفكار والدلالات .
وكل الفضاءات الموجودة فيها تصنع أشياءها و تؤطر بِؤرة الخطابات المتعددة و المتنوعة بين ضمير المتكلم أو المخاطب مفضية إلى ضمير الجمع الذي يعنينا جميعا.
لا يهمنا الخطاب الشعري في الوقوف على نوعية الصورة فيه ، وإنما يعنينا المرور عليه للإشارة إليه، وإلى تشكيله في الحكي الروائي عند الروائي محمد الإحسايني ثم الخلوص في نهاية الأمر إلى إثباته شعريا من خلال ترصيصه على شكل قصيدة تناثرت أشطرها في مختلف أجزاء الرواية لنصل إلى تأكيد ذلك بالتأليف بين أجزائها وترديدها شعريا في مختتم هذه الدراسة .
يعد الخطاب الشعري في رواية " فارس من حجر " خطابا متضمَّنا و ليس صريحا إلى درجة الوقوف عنده في تجنيسه ، و إنما هو مومئ بالشعرية المبطَّنَة التي تتخلل السرد الروائي تارة دون أخرى مفسحة للتجنيس الروائي أن يأخذ طابَعه التجنيسي دون التأثير عليه في أبعاده الحكائية ، بل يشاركه في إظهار فنية التجنيس الروائي الفعّال و التجلي الفني.
و حين تشدنا تجليات الخطاب لا بد أن ننتبه إلى الحركية التي يعتمدها كإيقاع حكائي آسر يرتكز على الزمان والمكان في أبعادهما الوجودية؛ وهو بذلك يَلِجُ باب التحديث في الفن الروائي لكون شعرية الخطاب تتجدد و تنحو منحى الإبداع بخرق أفق التلقي ، وهو النهج الذي سعى إليه الروائي بإدراكه للمزاوجة بين خطابين متباعدين تجنيسيا، متقاربين تأليفيا بالتوافق المنشود في الخطاب ، و ذلك من أجل الإحاطة بجميع أشكال الحياة الواقعية و إمدادها بروح فنية عالية تسبغ عليها روح الجمال التي تتجلى من خلال الصور التي تنساق مع الخطاب لترمز إلى الشعرية التي يحفل بها في إشاراته الفنية / التعبيرية.
إنه تشكيل مبتدع من أجل إحداث الجمال في النسق التعبيري الإفهامي؛ بمعنى آخر استدعاء ما هو شعري لخدمة الخطاب الروائي.إنه سرد متعدد الملامح حَكْياً و صورة بغية إعادة كتابة التفكير الإنساني إيبستمولوجيا كما هو الأمر فيما يلي من المجتزءات الحكائية الواردة في الرواية :
- في كل أصيل، أبحث عن مفاتيح الأبواب المغلقة،لا يوجد أمامي سوى أن ألجأ إلى تفريغ أشياء تخالجني في بئر عميقة. تخلصت من سكون كان يصعب علي فهمه إلا من خلال صخب الكلمات.أستيقظ وأنا في السطح ، على أصداء ترانيم تَـزُفُّ إليَّ بها نسائم المساء.ص 3
- لقلوب منكسرة أنهكها الضني ص4
-عليَّ إذن، أن أزحف في أودية المريخ، أن أصب الماء على الصخرة المتقدة . ص 4
- فهمت ذلك من نبرات غنائمهم القوية، واستوحيت أحلاما حافزة من شَعر صدورهم البادي على ظهر السفن الراسية. ص 5
-ينبثق حلم طفولي تدريجيا في سذاجته، يمتد عبر أوهام ، ومن خلال أجنحة مقصوصة تمتزج بالفناء. ص 6
- دون أن أبحث عن العزاء ،انبثق حلم طفولي تدريجيا في سذاجة، امتد عبر أوهام الأجنحة المقصوصة، ليمتزج بالفناء، ويتقاطع مع استغاثة مجذوب الحي ص31
- أرمي خطوات عبثية في أعقاب ظل هارب ص32
- حاولت أن ابتعد عن الأيام السالفة ، وعن زقاق مترهل …
و حصرا على ما سبق الاستدلال به تستجلي دلالات وترميزات إيقاع الحكي في أبعاده التصورية الجمالية، و في علاقته بالشخوص و الأحداث التي تؤطر "رواية فارس من حجر " ؛ و هو أمر يستدعي الملاحظة في مكمن التخييل الذي هو علامة بؤرة الإبداع.
و طبيعي أن تحبل الرواية بمجموعة من التقاطعات مع عدة أجناس أدبية نظرا لطبيعة جنسها الذي يضم جملة من الفضاءات الروائية التي تُستمد من الحياة. إن الرواية لغة الحياة في صورة ما من صورها الزمنية / المكانية ، ومن ثم فهي تجمل أسرارها و تُعدد أنوارها و تكشف عن جوانب عديدة تحتوي عوالم زاخرة بالإثارة و ترميزات التنبيه :
- كنت قبل ، أنشد الدفء في أي خاطرة ص 62
- سوى ما تبقى من طفولة راسبة في الذاكرة، وثنايا الفضاء، طفولة تتقاذفها الأمواج، ثم تجرها بعيدا عن الناس. ص80
- محوت كل المشاهد المؤلمة الأخرى داخل بوابة الأسوار، حاولت عبثا أن أقبض بلهفة على ومضات خيالية واردة من عمود الإنارة.ص 93
- ثم تجاهلني ليخرج من المأزق، بأوداجه المنتفخة التي تكاد دماء الحيرة تنفجر منها.ص 95
-أحلام مهربة من مكان سحيق ، ورهيب للغاية، حملناها عبر السديم والسحاب ودخلتْ معنا مخترقة حواجز مراقبة الدخول.ص 95
- أحلام بدون تذاكر ، سوف تستحم معنا على شاطئ مظلم.ص 96
- أخيرا ، ارتسم جرم سماوي قبالتي، يسبح في العماء. وهنا جذبني إليه إحساس نبيل في طريق التكوين، عبر كثافة من سحاب.لحظات الانتظار أدفأ من كل اللحظات الباردة التي مرت خارج القاعة .ص 104/105
- وظل يسكب مزيدا من اللوم على نفسه، تفرزه تنهدات متوالية ص 107
- اكتشفت أن الموج وحده هو الذي يخاطبني ، وأن المدنية في الليل ، خرجت من أسوار قلاعها لتتمدد على شاطئ ساحلي ينعش الأوصال. أواه لرجال ونساء مغروسة على الرمال، مختومة بالصمت والاستلذاذ ص.112
- أتظنين أن تلك الصفحات السود قد طويت تحت رداء النسيان ؟ ص113
- كان منغمسا في بحيرة صمت متجددة. ص113
- تواصلَ ضحكي، حتى كاد يخنق كلماتي ص120
- أن عينه مازالت تتنزه حول جيدي المطوق بسلسلة ذهبية ص 121
- يراقب بشيء من فضول، حبات الرمال التي غربلتها العواصف ص128
إن الخطاب الشعري في الرواية يحتوي على مشاهد عامة يمتزج فيها الجامد بالمتحرك و الصامت بالناطق و المشتعل بالمطفإ وهلم جرا... من المتناقضات التي تحفل بها الحياة ، تنطلق من استهلالات صرخة الولادة إلى سكرات الموت.
إذن كل هذه الثنائيات الضدية التي تشكل الفضاء الروائي العام تؤطر المشاهد الروائية عبر كل مقاطعها وتجزُّؤاتها وتباعدها و تكاملها في سياق خصائص التجنيس.
و ما دام الشعر هو لغة الحياة بالاستعارات التي نحيا بها حسب قول اللساني الأمريكي جورج لايكوف ، فإن السرد الروائي لا يمكنه الاستغناء عنه بحكم الطبيعة الشعرية في الحياة التي تُعد بؤرة لفضاء مؤطر لحركية الإبداع الروائي ، فلا ريب أنها لن تحيد عن الشعرية كخطاب ثري يغني المقاطع الروائية و يجعلها تنضح بالحياة التي تكتنزها شعرية اللحظات و المواقف الإنسانية في أبعادها الدلالية و ترميزاتها الإفهامية التي تساوق المستجد في الرسالة الأدبية .
فالرواية بطبيعتها صورة من صور الحياة في زمن من أزمنتها و أماكن من أماكنها التي تعتمد الترميز بقوة لغتها اليومية التي تتضمن الشعرية في تداولات الخطاب اليومي دون أن يدرك المرء أن اللغة الشعرية تتخلل خطاباته بين الفينة و الأخرى.
بيد أن الروائي محمد الإحسايني لم يسع إلى شعرنة روايته ، و إنما تأتَّت له بفضل طبيعة خطاب الحياة في الرواية و التي استدعت رسم ترميزات الشعرية :
- كنت أرسم خارطة متكاملة بالبحر والمحيطات ، بالصحو والعواصف، بالسهول ، والجبال، والرمال، وبزرقة السماء، أعانقها في توله، علني أنسى أسطورة خروج بوحمارة المزعجة .ص 158
- اتجهَ إلى غدير ليستمع إلى خرير يرتل تهاويل أسرار الكون ص 158
- ما أحوجني إلى عالم تسطر فيه النجوم مزاميرها في البحيرات والأدغال ص 174
فكل شخوص الرواية يشاركون في نسج شعرية الخطاب بحكم طبيعتهم الإنسية التي تجعل لغتهم إشارية أساسها الترميز و الاستعارات التي هي أساس اللسان البشري في تواصلاته ، إلا أن الخطاب قد يكتسب كثافة شعرية خاصة حسب المؤثرات التراثية في ذاكرة الروائي ، ولذلك تختلف الخطابات الروائية بشعريتها تماشيا مع المكتنز لدى المبدع.
و ما دام المكتنز هو لغة ، فإن البعد الإشاري يظل ضرورة مُلِحَّةً يراوح الشعرية الوجودية في تمفصلاتها الواقعية المشبعة بالتخييل .
و خلاصة القول إن الشعرية في رواية " فارس من حجر " تكمن في التوظيف الجمالي الذي يُمتح من مرجعيات ذاكرة الرواي الحبلى بالتراث في شتى أصنافه .
بيد أنها لم توظف بمقصدية شعرنة الخطاب ، وإنما تشكلت بطواعية الذات و استئناسها بها دون الاكتراث بتنزيلها في ثنايا الرواية ، الأمر الذي جعلها شعرية مستساغة تنهض بالخطاب و تدرجه في عالم الإبداع بتجددها و إيلافها وتأليفها و ترميزاتها الدلالية التي أفضت بالنص الروائي إلى شعرية الإبداع التي تتشكل بانسيابات الحكي و جعلها ترميزا متخفَّى من أجل إحداث جماليات السرد والسموق به إلى مكمن الجمال .
و الجميل في هذا الخطاب الشعري الروائي أنه لا يرد اعتباطا من أجل ترسيخه كخطاب، و إنما من أجل إشراكه باعتباره حكيا لا يمكن الوقوف عنده إلا بتمعن دقيق و هو سر حداثته لكون الرواية احتفظت بجنسها كاملا دون أن تفصح عن الشعرية الكامنة فيها إلا للمتخصص في الخطاب الشعري؛ إنها اكتناز يفصح عن الإبداع و التحديث الروائي المتغيَّا عند الأستاذ محمد الإحسايني.
و للاستدلال على الشعرية الكامنة في هذا النص الروائي آثرنا الجمع بين الأجزاء والمقاطع الآنفة الوضع في هذه الدراسة باستعمال الحذف فقط ، ثم التأليف بين الأجزاء دون أي إضافة لنخلص في النهاية إلى قصيدة رواية " فارس من حجر" المتضمَّنة عبر مختلف فصولها، تأكيدا لشعريتها و تنصيصا عليها :
في كل أصيل
ألجأ إلى تفريغ أشياء تخالجني في بئر عميقة
من خلال صخب الكلمات
على أصداء ترانيم تَزُفُّ إليَّ بها نسائم المساء
قلوب منكسرة أنهكها الضني
أن أزحف في أودية المريخ
أن أصب الماء على الصخرة المتقدة
من نبرات غنائمهم القوية
استوحيت أحلاما حافزة من شَعر صدورهم البادي على ظهر السفن الراسية
ينبثق حلم طفولي
من خلال أجنحة مقصوصة تمتزج بالفناء
دون أن أبحث عن العزاء
أرمي خطوات عبثية في أعقاب ظل هارب
عن زقاق مترهل
أنشد الدفء في أي خاطرة
من طفولة راسبة في الذاكرة
طفولة تتقاذفها الأمواج
محوت كل المشاهد المؤلمة
حاولت أن أقبض بلهفة على ومضات خيالية
تكاد دماء الحيرة تنفجر منها
تنفجر منها أحلام مهربة من مكان سحيق
أخيرا ، ارتسم جرم سماوي قبالتي، يسبح في العماء
أدفأ من كل اللحظات الباردة
يسكب مزيدا من اللوم
اكتشفت أن الموج وحده هو الذي يخاطبني
وأن المدنية في الليل خرجت من أسوار قلاعها
لتتمدد على شاطئ ساحلي ينعش الأوصال
أواه لرجال ونساء مغروسة على الرمال
مختومة بالصمت
تحت رداء النسيان
في بحيرة صمت متجددة
تواصلَ ضحكي
كاد يخنق كلماتي
عينه مازالت تتنزه
من حبات رمال غربلتها العواصف
أرسم خارطة الجبال
والرمال
أتجهُ إلى غدير يرتل تهاويل أسرار الكون
ما أحوجني إلى عالم تسطر فيه النجوم مزاميرها
في البحيرات والأدغال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الرحيم كنوان شاعر مغربي نال عدة جوائز عربية ومغربية . له عدة دواوين شعرية. أشهر مؤلفاته : "من جماليات إيقاع الشعر العربي"- دراسة تقع في 528 صفحة/ و دراسة عن "بلاغة الإيقاع في الشعر المغربي"...