الوكالة العربية للصحافة أپاپريس - Apapress
مقالات
أدب وفنون 
المهرجان الدولي للفنون والثقافة ""صيف الاوداية" في دورته الثانية
حلم اختصر كل المسافات كان للابداع دوره الاساسي في تربية الاذواق ورفع درجة الاحساس استعاد الحاضرون
زمن الفن الجميل في اجواء روحانية مشبعة بالايمان والهدوء النفسي من خلال معزوفات موسيقية كلاسيكية وصوفية غنائية وتراثية لا جدال في ان المهرجان الدولي للفنون والثقافة "صيف الاوداية" في دورته الثانية يكتسي طابعا استثنائيا لما تضمنه من فسيفساء متعددة الالوان والاشكال وفي شهر عظيم تجد الاحاسيس مجالا للتعبير عن ذاتها من خلال الاجواء الروحانية المشبعة بالايمان والهدوء النفسي الذي يجعل للتأمل الصوفي والجمالي والابداعي المجال الخصب للتفاعل والتمازج وباعتبار ان الفن لغة وليس صور منسوخة فإن هذا التفرد وهذا التنسيق الذي تميز به هذا المهرجان تجلى بشكل ملفت للنظرفي تنوع الاطباق الفنية التي وزعت بشكل ذكي تستشف من خلالها ان النظرة الفنية الثاقبة والتجربة الطويلة والحنكة والبعد الثقافي والجمالي وكذا الاستفادة من المشاركات المتعددة في المهرجانات العربية والاوربية والاسيوية ولا سيما الهند ونيبال وايران وغيرها كان لها دوركبير في استقطاب جمهور من مختلف شرائح المجتمع المغربي استوعب الرسالة وتفاعل معها بحس فني راق لمدة 10 ايام متسائلا في قرارة نفسه هل استعدنا زمن الفن الجميل ولعل هذا التساؤل لم يأت اعتباطا وانما جاء نتيجة هذا التنوع في اختيار فنانين مبدعين متميزين بصموا تاريخهم الفني باعمال خالدة تبوؤوا من خلالها مكانة عالية واحترام وتقدير ان على المستوى الوطني او العالمي تجلت في ابداعات تراثية وكلاسيكية وصوفية وعصرية والاجمل من هذا التوزيع الرائع لفقرات المهرجان التي اعتمد فيها مراعاة الاذواق وترضيتها وذلك بتخصيص الخمسة الايام الاولى للأعمال تقتضي التامل والانصات والحس الفني الراقي وربما في بعض الاحيان التمكن من سبر اغوار النوتة الموسيقية لاستكناه جمالية اللحن والاداء مقرونة بالثقافة الموسيقية والجدير بالاشارة ان ما اعطى هذه النفحات الموسيقية الخالدة عبقها واريجها الحديقة الاندلسية بالموقع الاثري قصبة الاوداية باعتبارها معلمة تاريخية والتي اشار اليها وزير الثقافة محمد امين الصبيحي من انها ستستقبل ضيوف المهرجان ممن ننظر اليهم باعتبارهم سفراء لثقافات العالم سيحملون معهم من مهارات ومعارف وموسيقى تقليدية وحديثة وهكذا صدح صوت الموسيقار الكبير عبد الوهاب الدكالي خلال حفل الافتتاح بمقطوعات غنائية خالدة تحكي زمن الفن الجميل وتعانق احلام وردية من نصف قرن مضى كان للكلمة واللحن والاداء ذلك التميز رددتها اجيال متعاقبة واذا كان للغناء الراقي عشاقه فان للمعزوفات الموسيقية روادها ايضا من بينها آلة الناي التي وانت تستمع الى ترانيمها ترفعك الى عوالم تخضع لطبيعة اللحظة والمناسبة سيما اذا كان العازف ممن يمتلكون الموهبة النادرة والمنتوج الموسيقي الغني من قبيل الفنان المقتدر رشيد زروال الذي حظي باقبال كبير من قبل عدد من الفنانين والملحنين من المغرب والعالم العربي الذي تفاعل معه الجمهور الحاضر في جو من الايقاعات والالحان وفي تلاحم حقيقي بين روح الفنان وروح الناي سلط فيها الضوء على مجموع التراث المغربي العريق الذي يغترف من المعين الامازيغي الروماني الافريقي العربي الاندلسي في حوض ثقافات العالم
واذا كانت فقرات المهرجان ينصب اغلبها على التراث المغربي بشتى تلاوينه الا ان اختيار الثنائي المتجانس ساباس اوزكوك وهاكي اوزشيمي من تركيا للمشاركة في المهرجان من طرف الفنان اللامع والباحث حسن ميكري جاء نتيجة تميزهما خلال حفل موسيقي في مهرجان طرب طنجة 2009 واللذان حازا ايضا سنة 2010 على جائزة زرياب للمهارات المسلمة من طرف المجلس الوطني للموسيقى بالمغرب والمنظمة تحت رعاية المجلس الدولي للموسيقى التابع لليونيسكو والواقع ان هذا الاختيار كان اختيارا موفقا باعتبار ان ساباس المكانة التي يحتلها في بلاد الاناضول ولكونه تدرب على يد ابيه الذي لقنه تعليما شاملا للموسيقى التركية العالمة متناولا في ذلك على حد سواء الممارسة الالية للقانون وكذا الجانب النظري لعلم المقامات والاصول في حين سار هاكي اوزشيمي على نفس النهج حيث تلقى اسس التربية الموسيقية على والده صدر الدين عازف الناي المشهور اضافة الى ممارسته رقصة الدراويش ان مايثلج الصدر ان تكون هذه الاعمال الفنية التراثية تتناسب مع قيمة ومكان وتاريخ هذه المعلمة وان تكون التصنيفات الموسيقية تتناغم مع جمالية المكان حيث ان تخصيص الحديقة الاندلسية كما ذكر سابقا لنوع من الفنون كان يقتضي توفر الاذن السميعة ورهافة الحس والذوق الرفيع والانتشاء بعبق الموسيقى والغناء عبر العصور لذا فمشاركة السوبرانو سميرة القادري في هذا المهرجان مفخرة للمغرب ومفخرة لكل من يهوى الطرب الاصيل ولاسيما عندما يلتقي صفاء الصوت المتوسطي في اداء اعمال رائعة من الذخيرة الغنائية التي اثرت الفن المتوسطي ابان العصر الذهبي للحضارة الاندلسية بالثقافة الاكاديمية والمعرفة العميقة بالغناء والموسيقى لذا كان للانتشاء بعبق هذا الزمن وبالاجواء الصوفية والروحانية صدى طيب واستحسانا على الجمهور الذي رحل مع الفنانة عبر محطات تاريخية جابت فيها بين اغاني عربية واندلسية ولاتينية مرورا باناشيد الشعراء الفنانين الجوالين بغية ربط الجسور بين مختلف التقاليد الاندلسية ولعل هذا ما اهلها لتاسيس مجموعة ارابيسك الغاية منها اعادة الاعتبار للاعمال القرسطوية الخالدة والحفاظ على التقاليد الاندلسية للثقافاث الثلاث انه حلم اختصر المسافات كان للابداع دوره الاساسي في تربية الاذواق ورفع درجة الاحساس امتصت خلاله كل الضغوط النفسية والارهاصات التي يعرفها عصرنا الحاضر من جراء الرداءة التي اصابت بعض المصنفات الغنائية التي بدات تعزف على سانفونيات اشبه ما تكون بصياح الديكة واذا كان للغناء الراقي المتميز نكهته الخاصة وللناي تاوهاته المرتبطة بالحنين والذكريات فان للكمان تجلياته التي استطاع العازف الماهر الفنان جبريل بناني ان يبرع في عزف مجموعة من الاعمال الخالدة التي وضعها اشهر الموسيقيين على مر العصور من موزار وفيفالدي واشتراوس وشوبان وباخ الخ وكل هذه الاعمال تندرج في خانة ما يعرف بموسيقى العزف معرجا في نفس الوقت على بعض الاعمال الناجحة للموسيقى المغاربية ضمن رؤية شمولية بتناغم بين ثقافات العالم . ان هذه المبادرة من طرف الفنان الباحث حسن ميكري لقيت ترحيبا ودعما من طرف ولاية الرباط حيث جاء في الوقت المناسب لاحياء الموقع التاريخي لقصبة الاوداية والتي كما عبر عنها السيد والي الرباط سلا زمور زعير في كلمته المدرجة بكتيب المهرجان مؤكدا ان هذه الاخيرة تشكل مفتاح ادراج اسم مدينة الرباط ضمن لائحة التراث العالمي تستحق بالفعل ان تحتضن حدثا من هذا الحجم لالقاء ايقاعاتهم الموسيقية وانغامهم بين احضان اسوار هذا الموقع الباهرة فبالاضافة الى دورها الديبلوماسي والسياسي والاداري فالرباط هي ايضا عاصمة الثقافة بامتياز على اعتبار مدينة فاس هي العاصمة الروحية للمملكة مضيفا ان هذه الخطوة التي دشنها المغرب منذ2009 بمبادرة من صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله الذي اعطى تعليماته الحكيمة لتحضير هذا الملف في احسن الظروف قد بدات تعطي ثمارها مبرزة القيم الكونية الاستثنائية للعاصمة مؤكدا على اننا اشتغلنا على هذا الملف بكل تفان واخلاص بتعاون مع فريق محترف لان الامر تطلب الفعالية والاتقان لرفع هذا التحدي مع الحرص على المحافظة وحماية تراث المدينة وذلك بانسجام تام مع متطلبات العصرنة والحداثة المبتغاة لعاصمة ذات صيت عالمي .واذا كان المهرجان قد ارضى شريحة من المجتمع للون معين من الموسيقى فانه لم ينس الشريحة الاكبر التي تعشق لونا اخر حيث خصصت منصة كبرى لعروض تستجيب لاذواق وعشاق الفن الاندلسي في شخص الاخوين عبدالسلام وعدنان السفياني الذين امتعوا الجمهور الرباطي والسلاوي بشذرات من الاعمال الخالدة صاحبتها مواويل وابتهالات امام جمهور ملأ جنبات قصبة الاوداية فاق الوصف ونفس الجمهور عرفته فرقة ناس الغيوان التي كرم خلالها عمر السيد رئيس الفرقة . كما حظي الفن الكناوي باعتباره فن بدأ يلاقي اهتماما على الصعيد الوطني والدولي في شخص المعلم باقبو ومن جهة اخرى اولي اهتمام كبير للجيل الحالي حيث نال نصيبه من الاهتمام حيث ادت مجموعة بريك اند وود المغربية مجمعوعة من الاغاني تنتسب الى فترة السيتينات تجاوب معها الشباب والمثير للاهتمام ان من بين المفاجاءات تشجيع المواهب الصاعدة في الغناء لتدلي بدلوها في هذا الميدان الصعب لكن عندما تكون الارضية مهيئة والرعاية والمتابعة موجودة تكون العزيمة والتحدي في اختصار المحطات لذا فليس غريبا ان يكون ابن الوز عوام حيث قدم الفنان نصر ميكري مجموعة من القطع الغنائية الجديدة له مشفوعة باغاني عمه يونس التي لاقت تجاوبا من طرف جمهور الشباب والذي يعد امتدادا للتيار الميكري الذي اصبح عالمي وله طابع ثقافي وفني وقد توج حفل الاختتام بتتويج الفنانة الامازيغية تابعمرانت التي تعتبر ايقونة الاغنية الامازيغية ذات الشغف بالشعر والاداب والموسيقى والثقافة الامازيغية التي تعتبر في مصاف الرواد الذين نقلوا الثقافة الامازيغية الى خارج الحدود والتي قدمت اطباقا من الاغاني تحمل معاني واشارات يستشق من خلالها عشق الوطن والانتماء واشياء اخرى لم نستوعبها لعدم فهمنا للغة واخيرا لا بد من الاشارة الى ان المهرجان حقق نجاحا باهرا لاعتبارات من بينها
الحاضر بمختلف اصنافه مرورا بالفن العصري لسنوات الخمسينيات الى الفن الكناوي الذي عرف تطورا كبيرا خلال السنوات الاخيرة الى الفن الامازيغي بترنيماته المتعددة التي مزجت فيه الرايسة تابعمرانت بين الغناء والتركيز على الهوية واللغة باعتبارها اخذت مكانها الى جانب اللغة العربية وفي الاخير لابد ان نشير ان المهرجان حقق قفزة نوعية وقيمة مضافة لعدة اعتبارات من بينه:
1تنوع الاطباق الموسيقية التي ابحرت من كلاسيكيات القرون الماضية الى الموروتاث الفنية الرائعة التاريخية الاندلسية الى الزمن الحاضر بمختلف اصنافه مرورا بالفن العصري لسنوات الخمسينيات الى اليوم الى الفن الكناوي الذي عرف تطورا كبيرا الى الفن الامازيغي بترانيمه المتنوعة التي مزجت فيه الرايسة تابعمرانت بين الغناء والهوية واللغة باعتبارها اخذت مكانها الى جانب اللغة العربية
2 تكسير الحاجز النفسي للشوفينية الضيقة التي كانت تكرسها بعض التاويلات التي تسعى من خلالها الى خلق التفرقة بين العرب والامازيغ من خلال العروض الفنية التي اشتمل عليها المهرجان حيث ان من بين الايجايات التي حققها التفاعل التام والمتلاحم مع جميع الاصناف الموسيقية وبالاخص الموروث العربي والامازيغي
3 نوعية العروض الموسيقية الراقية الحالمة فرضت على الجمهور الانضباط لتقاليدها وطقوسها وتربية الذوق الفني والجمالي وحسن الانصات والابتعاد عن التهريج والفوضى واللغة الساقطة يتوج كل هذا الجمهور الغفير الذي ملا جنبات الحديقة ومداراتها وهو يصدح بالتكبير والمواويل تشرق عليه روحانية هذا الشهر الكريم شهر النور والبركات . لقد حقق المهرجان كذلك جزءا من طموحاته بفضل روح المسؤولية وانعدام""الانا"" وبفضل التكاثف والتعاضد والروح الجماعية والايمان بان مثل هذه المهرجانات الراقية لم تكن لتنجح لولا ذلك الحس بان الهدف الاسمى يتجلى في المحافظة على القيم والتقاليد والعادات وتربية الجيل الحاضر على تهذيب ذوقه والرفع من مستواه والابتعاد عن الرداءة فشكرا والف شكر لوزارة الثقافة في شخص وزيرها محمد امين الصبيحي ومعاونيه وكذا المجلس الوطني للموسيقى في شخص رئيسها الفنان حسن ميكري وزوجته وفاء بناني مديرة المهرجان الذين زرعوا فينا الامل لاعادة الحلم والزمن الجميل واثبتوا بمالا يضع مجالا للشك ان احياء الثقافة الفنية والابداعية باطيافها السبعة من موسيقى وغناء ورقص وشعر وادب وتشكيل وسينما من بين الاولويات التي يسعووا الى تحقيقها مستقبلا دون اغفال الدور الاساسي والفعال الذي يقوم به السيد الوالي حسن العمراني من جهود جبارة في دعم مثل هذه المبادرات ماديا ومعنويا بفضل كارزميته وحضوره المكثف وتشجيعه الدائم لتحقيق النهضة الثقافية الفكرية والفنية وتواصله المستمر مع جل الفعاليات المجتمعية .
يشار الى ان ا المهرجان تضمن كذلك معرضا للصور الفوتوغرافية للعاصمة للفنان ميلود نويكة ومعرضا للكتاب العربي والامازيغي والفرنسي اضافة الى معرض للمنحوتات النحاسية للفنان التونسي الصبحي الشتيوي توجتها ندوة فكرية حول الثقافة الامازيغية "الواقع والافاق"
يقول الفنان الباحث والتشكيلي حسن ميكري الرئيس المؤسس لمهرجان "صيف الاوداية جمهوري هوكل الناس وكل الاجيال وان كنت احمل في اعماقي رسالة حب وتقدير لكل الذين جعلوا من الفن رسالة سلم واخاء وانفتاح على ثقافات العالم .
تعليقات القراء