سنة 1887 - أعلن أديسون عن اختراع الفوتجراف "جهاز تسجيل الصوت". سنة 1948 - أصدرت الأمم المتحدة قراراً بمقتضاه أصبحت المملكة الليبية دولة مستقلة. سنة 1956 - انضمام تونس إلى الأمم المتحدة. سنة 1970 - أعلن العلماء الأمريكان توصلهم لاستخلاص الماء والأكسجين من تربة القمر. سنة 1973 - قرر المجلس الوزاري لمنظمة الوحدة الأفريقية فرض حظر اقتصادي شامل على إسرائيل حتى تمتثل لقرارات مجلس الأمن. سنة 1980 - بدء القمة العربية الثانية عشرة في عمان سنة 1694 - ولد المفكر والفيلسوف الفرنسي فولتير. سنة 1938 - دفن مصطفى كمال أتاتورك في مدينة أنقرة. سنة 1945 - غواتيمالا تنضم إلى الأمم المتحدة. سنة 1991 - انتخب مجلس الأمن نائب رئيس الوزراء المصري بطرس غالي أمينا عاما للأمم المتحدة.
استراتيجية الكتابة في رواية "أسلاك شائكة "للأديب مصطفى لغتيري
، ونُشر بواسطة:
أبابريس شوهد 2209 مرة، منذ تاريخ نشره في 2013/01/19
تطرقت من خلال هذه القراءة،إلى تحليل النص الروائي" أسلاك شائكة"، وفق
الاستراتيجية التي اعتمدها المؤلف في كتابة روايته،من خلال بنية الرواية (عدد الفصول وتقنيتها التناوبية)،وبنية النص(دلالة العنوان والشخصيات والزمان والمكان)،فبنية السرد( التراكيب الجملية والمنظور السردي اعتمادا على الصوت الواحد بضمير الغائب بواسطة سارد متحكم عليم). إذن فما مدى خدمة هذه التقنية للنص فكرة ومضمونا وحبكة وسردا .وهل ساهمت هذه التقنية في إظهار جمالية النص الروائي؟
1بنية الرواية :
تمتد الرواية على مساحة تسعة فصول بقيت مفتوحة دون نهاية ،وقد بُنيت على استراتيجية نصية تناوبية،خصص الفصل الأول منها للحياة الهنية التي عاشها البطل
بين ظهراني أسرته وتشبثه بالأرض والولد والبلد..وبعد القبض عليه وانفصاله عن
أسرته في الفصل الثاني ،ستخصص ثلاثة فصول لتتبع أحداث الأسرة وهي الفصول
(4 ــ 6 ــ 8)،لتحظى سيرة البطل بالفصول (3 ــ 5 ــ 7ــ 9).
بني الفصل الأول على وحدة الارتباط والانصهار والانسجام والذوبان في الجماعة.
ويعتبر الفصل الثاني بمثابة تمفصل للأحداث وبؤرة التأزم والعقدة المحورية التي انبنى عليها جسد النص الروائي وشكّل(الفصل والتّحول وتغيير المسار الحياتي والنفسي للشخصية الرئيسية احميدة ،وسيطال التغيير حتّى اسمه ويصبح لقبه "الدزايري").
بينما الفصول السبعة الباقية فقد بنيت على وحدة التشتت والتمزق والا نتظار والترقب .
2 بنية النص :
2/1 ــ العنوان:جاء عنوان الرواية جملة اسمية على صيغة النكرة،
وهذا ماجعله يخرج عن المقصود المباشر ليتعداه إلى إيحاء دلالي وبعد رمزي ،
نلمسه جليا داخل المتن الروائي .
أ ــ أسلاك شائكة والقصد المكاني:
فلو جاء على صيغة التعريف سيكون المقصود فقط ،هو الحدود أو الحواجز المكانية الفعلية التي تشكل فاصلا وحدا جغرافيا بين بلدين لا يمكن تجاوزه ؛ حتى لا يتطاول
جانب ويترامى على تراب الجانب الآخر.وهذا العائق المكاني وضع على الحدود
الجزائرية المغربية بمدينة وجدة.
ب ــ أسلاك شائكة ودلالته المعرفية:
رغم أن عنوان الرواية خارج النص ،إلا أنه يحفر عميقا في بنية الحكي ويشكل البؤرة
الرئيسة التي تدور حولها الأحداث زمانا ومكانا،بأبعاده البوليتيكية والسوسيولوجية والسيكولوجية في صبغة درامية من خلال الاستبعاد قسرا، الذي عانت منه الشخصيات
تحت وطأة التشتت ومتاهة الانتظارية، بمقدار كبير من الوجع والمعاناة عاشته الأسر،
في مرحلة تاريخية إثر قضايا سياسية شائكة ،تجلت في واقعة تشير إلى الأزمة المفتعلة ،بين الجارين(المغرب والجزائر)، سببها الرئيس ما سمي بحرب الرمال ..
ج ــ أسلاك شائكة كعوائق نفسية:
يرتبط أيضا العنوان "أسلاك شائكة" ،بالعوائق النفسية والأخلاقية والسلوكية التي
تصدر عن الشخصية الرئيسة، حيث حكمته هذه الظروف بالعيش راضيا ،منكمشا على نفسه ساجنا إياها ، بين ذكريات الماضي وانتظار الفرج ،حارما نفسه من لذة الحياة ،ومن محاولة البحث عن مخرج لعيش حياة أفضل ،مع زوجة جديدة لتأسيس أسرة أخرى .
لكن عندما طال الانتظار وانسحق العمر،وحن إلى حضن الأنثى ،التي سيسعى لها ليلا
محملا بتوجساته ،مقاوما تردداته وردعات الضمير ،محاولا طرد صورة زوجته الزاهية،عازما على تكسير الحاجز بوجل كبير؛ فإذا به يصطدم بجارته راضية ــ التي تعيش أيضا على انتظار العودة إلى الأهل بالجزائر ، والتي كان يكن لها كل الاحترام ــ وجدها في دار البغاء في وضعية مخجلة جدا،كسرت مجاديفه فارتد منهزما منسحبا ،متسائلا إن كانت زوجته لقيت نفس المصير.
2/2 ــ دلالة أسماءالشخصيات:يقول الناقد التونسي عبد الدائم السلامي:
(الشخصية دعامة الحكي،ودونها لا تستقيم حكاية ولا ينمو حدث مروي. فهي سبيل
الروائي إلى عالم التخييل الإبداعي.) ص60 منطق اللامعقول في الرواية الحديثة .
من هذا المنطلق نجد أن الكاتب مصطفى لغتيري قد انتقى بدراية ووعي أسماء
شخصيات متنه الروائي ،وفق ملامح تدعم السرد الحكائي إما دالة على المواكبة أو
مشكلة للمفارقة .
أ ــ ملامح الشخصية الدالة على المواكبة:
1/"احميدة" كشخصية رئيسية ،اسم علم مذكر:وهو تصغير بصغة التحبيب والتقريب،لأن الأصل في الاسم هو" أحمد".وأحمد عندما نشير إليه في الوسط الشعبي ب"احميدة"تكون إما سلبا أوإيجابا حسب ما تمليه ملامح الشخصية التي تَسم ذلك ال"أحمد".فإذا كان ذو شخصية قوية فاعلة قادرة متمردة عنيفة..ينادى ب (أحمد أو السي احمد) ،أما إذا كان شخصية طيبة لينة المعشر ،وقد تكون سلبية لا تقف بجرأة وصرامة وتحد في وجه العوائق والمطبثات..واحميدة هنا تخدم السرد ،فهي شخصية استسلامية خاضعة،تنتظر الأمل والانفراج،بالتفرج من بعيد دون أدنى مقاومة أو ردة فعل: (استسلم في خنوع. جلس القرفصاء .. استدار نحو المكان الذي غادره قسرا. عيناه ترنوان إلى هناك حيث خلف وراءه الأحبة.اخترق بصره الأفق البعيد..) الرواية ص32
وهذه الشخصية جسدت في أفقها البعيد ،كل المغاربة من جهة ،والجزائريين المتشبثين بالأرض والعرض، وبالعرق والقرابة والدم.. بعيدا عن منغصات السياسة
وقضاياها ومشاكلها و منزلقاتها وتهويماتها..
2/ الزاهية كشخصية ثانوية ،جعلت حياة احميدة زاهية ،أشعرته بالدفء والاستقرار
فبفضلها عشق الأرض والاعتناء بالحقل والزراعة ورعاية الماشية ..فقد كانت برقتها وجمالها وحنوها كنبراس زاهي ينير طريقه في الحياة.. وبقيت كذلك حتى بعد
الانفصال عنها .احتفظ بها كذكرى زاهية يقتات من الشوق والحنين إليها ويجعله شحنة تساعده على مواصلة الانتظار على أمل اللقاء بها .
ب ــ اسم الشخصية الدال على المفارقة:
1/ راضية :هي الأنثى التي أعجب بها احميدة ،وهي الجارة التي كان كلما رآها تذكره بالزاهية ،وتؤجج حنينه إلى الأنثى ، لكنه لم يكن يجرؤ على الاقتراب منها ، كان يكتفي بالسلام والنظر إليها من بعيد. إلى أن التقيا على الحدود في وجدة ،ليعرف
أنها تعيش هي أيضا نفس المأساة.
راضية تعني أنها راضية وقانعة بحياتها وبمصيرها وستواصل الانتظار بنفس راغبة. لكن المفارقة التي شكلت صدمة ،أنه وجدها في دار البغاء ،حيث انكسرت
صورة المرأة الفاضلة الوقور المحترمة.
2/المهدية : هي ابنة احميدة التي لم يشهد ولادتها،وهو يظن أنه "المهدي"
الذي كان يتمنى أن يكون هدية صالحة تحمل نسبه ،لكن هذه الهدية ،التي
لم يتوصل بها ،أهداها مكرها إلى القدر وإلى مصير مجهول..
2/3الزمان والمكان:
ــ أحداث الرواية ووقائعها حصلت في الماضي،حين أغلقت الحدود إبان حرب الرمال
سنة 1963 وهي ما يسمى بالحرب الباردة بين البلدين. لذلك اتخذ فعل الزمن الماضي
الصدارة في الجمل السردية،مستخدما الاسترجاع تارة لأنه كان سجين الماضي قبيل
الترحيل،ومتوسلا باستشراف المستقبل مستعملا المضارع مقرونا بالسين وسوف.
ــ واكب الزمن الروائي مسار السرد فجاء كسلسلة من الحلقات المترابطة يتقدم ببطء
نظرا للوقائع الدرامية التي ابتدأت بالمخاض ثم التهجير المرغم فموت الزاهية وسقوط
راضية .. ليبقى السرد الزمني مفتوحا بسؤال قلق مضطرب ينتظر جوابا.
ــ الفضاء في الرواية مفتوح منذ البداية إلا أن هذا الانفتاح شكل نقيضين :
/فضاء القرية كمكان تحكمه المحبة والتآزر والتآخي والسلم والتسامح ...
فضاء مفتوح على الحياة الهادئة والعيش الكريم ،حيث الطبيعة البكر والنسائم
الصافية والمياه العذبة وأصوات الحيوانات تشق الصمت،وتشعر النفس بالسكينة.
/المكان النقيض (الحدود)هو أيضا فضاء مفتوح، لكنه مقيد بحواجز وأسلاك
تتجاوزها العين باحثة عن أمل مفقود،إنه فضاء منفتح على المجهول ،هو فضاء قلق متوتر ، تعيش داخله الشخصيات حالة من الترقب والانفعال والاضطراب والخيبة ، مع بصيص ضعيف من الأمل يكون بمثابة زاد يساعدهم على مواصلة رهبة الانتظار والتوسل..
3 بنية السرد:
1/اعتمد السرد الروائي على جمل فعلية قصيرة ،مكثفة ومختزلة وكأنها خضعت
لبلاغة الاشتغال إضافة وحذفا،مما يظهر الصوغ الجمالي الذي يجعل المتن الروائي
قابلا للتداول يقول جميل حمداوي:( غالبا ما تكون الجمل الروائية جملا فعلية قصيرة،
تنمي مسار الأحداث وتؤزمها،وقد أورد الكاتب هذه الجمل ليحبك الأحداث ويحقق
حركية السرد وتطوره الدرامي ويثري توتره على مسار الحبكة السردية والعقدة القصصية). ص122 من الإبداع الروائي إلى نقد النقد.
2/المنظور السردي:
تنبني الرؤية السردية في هذه الرواية على الرؤية من فوق ،أي تم تسليط الأضواء
على الأحداث والتفاصيل ،وكأن كاميرا تواكب الأحداث ،وتراقب عن كثب ما يجري في الكواليس بعين غير غافلة،فكان لزاما تحريك خيوط السرد بواسطة ضمير الغائب،
من طرف سارد عليم يكون عينا لاقطة للتفاصيل،مندسة في ثنايا كل المواقف والأحداث،
راصدة بأمانة ما يجول في خاطر الشخصيات وما يصدر عنها من حركات.فالسارد العليم
هو الذي يحرك مقود الحكي عبر استراتيجية الفصول التي تتناوب كما قلت آنفا،فصل
يحكي عن الشخصية المحورية "احميدة"،ويليه فصل يحكي عن الضفة الأخرى،وما تعيشه أسرته من معاناة،وهكذا على التوالي،وهذا ما يجعل القارئ لا يحس بالملل،بل
إنها تحفز مكامن التشويق لديه.هذا السارد العليم يلم بالأحداث الخارجية والداخلية، لكنه سارد يتسم بالموضوعية ويلزم الحياد، معتمدا في ذلك على ضمير الغائب وفق ما يسميه الدكتور جميل حمداوي (الرؤية من خلف)يقول عن السارد المحايد:(..بل يقف محايدا من الأحداث يصف ويسرد الوقائع بكل موضوعية.ويشبه هذا السارد الإله الخفي،لأنه
يملك معرفة مطلقة عن الشخصيات ..)المرجع السابق ص116 .
ختاما :الرواية كما يظهر للقارئ جليا أنها تنبني على سيناريو تصاعدي،ساهم
التوتر وتأزم الأحداث في حركيته تسيطر عليه مواقف درامية تثير مشاعر
إنسانية ،وهذا ما جعلها قابلة للتشخيص.
تركيب
من هنا نستخلص أن الرواية انبثقت من الواقع فكرة وحدثا ،وأن الكاتب يمتلك
وعيا سرديا ورؤية فنية جمالية في طريقة الحكي، وتقنية تقديم الخطاب الروائي ،
شكلا ومضمونا ،حيث بنى معمار القصة حدثا تلو حدث بطريقة خطية عبر مسار
محكم يُكوّنُ العمود الفقري للخطاب ،وفق تسلسل منطقي لأحداث الرواية ،عبر بنية الزمن الأفقي ماضي حاضر مستقبل،و من خلال نمط سردي أفقي أيضا ،ينطلق من البداية مارا على سلسلة من التوترات ليصل إلى الخاتمة التي شهدت ذروة التأزم (فبقيت مفتوحة بدون حل ،كما تمليه ظروف الشخصيات الواقعية التي لا تزال إلى يومنا تعاني من جراء الواقعة).منطلقا من منظور واحدي(واحدية المنظور كما يسميها الدكتور صبري حافظ )؛وواحدية الصوت أي صوت السارد العليم الذي يهيمن على السرد ،
جالبا لتداعيات منطقية موسومة بترابط سببي ،من أجل خلق حبكة متماسكة محكمة، تشد القارئ،وتجذب اهتمامه ،من خلال براعة سرد الحكاية،وجمالية الحبكة ،ومهارة إذكاء التشويق لتحقيق المتعة والإفادة.
1 ــ الناقد التونسي عبد الدائم السلامي: منطق اللامعقول في الرواية الحديثة ص 60
2 ــ الكاتب مصطفى لغتيري رواية "أسلاك شائكة " ص 32.
3 ــ الناقد المغربي د.جميل حمداوي: من الإبداع الروائي إلى نقد النقد ص 122.
4 ــ الناقد المغربي د.جميل حمداوي: من الإبداع الروائي إلى نقد النقد ص116.