تجربة الاحتراف المسرحي في المغرب لم تؤسس بعد فقط يوجد متفرغون
اكد الباحث المسرحي عبد المجيد فنيش أن الجانب الثقافي هو الذراع الأمني الحقيقي للاستقرار، مبرزا قيمة المهرجان الجهوي الأول للمسرح بالرباط، والذي يساهم بشكل كبير في إرساء أسس تنمية ثقافية حقيقية.
وقدم فنيش امس الاربعاء خلال ندوة فكرية حول "الممارسة والتنشيط المسرحي بجهة الرباط سلا القنيطرة"، عقدت بالرباط مداخلة قيمة حول تاريخ الحركة المسرحية، التي طبعت كل مدينتي الرباط وسلا والقنيطرة، حيث أكد في البداية على ان المواطن بالجهة لا يحتاج إلى فعل ثقافي بل إلى روح الهوية والوجدان، في ظل هذا الاحتقان العالمي الذي افقد الحياة جوهرها بهذا التطرف القاتل.
وسلط فنيش في الندوة التي شارك فيها مدير المهرجان عبد الإله الدغمي، ورئيس المهرجان ورئيس جمعية السواعد الشعبية للمسرح عبد العزيز مشرف، والممثل والمؤلف المسرحي العلوي الصوصي، الضوء على البدايات الأولى التي طبعت الحركة المسرحية، والتي سبقتها الكثير من الأشكال الفنية كالبساط وعبيدات الرما، واحيدوس والهيت ومال إلى ذلك، مبرزا أن الخصوصية المسرحية في الجة تأتي من ماضيها التليد والمتنوع، تنوع جغرافيتيها ومكوناتها الترابية.
ولفت إلى أن الرباط تميزت بهويتها الفنية المميزة من خلال فن الأندلسي والطرب الغرناطي وفنون السماع والمديح، فضلا عن تراث البساط الذي ميز الحركة الفنية قبل ظهور المسرح، على غرار سلطان الطلبة في فاس، في حين أن القنيطرة تميزت بخصوصيتها الفنية الغرباوية، وهو ما خلق نوعا من عدم التوازن، وهو الأمر الذي أعطى في العمق خصوبة وثراء فنيا ينضاف إلى التراث الأندلسي والموريسكي، ويخلق نوعا من الفسيفساء، في حين أن الثقافة الحسانية تشكل هوية ثقافية وفنية لوحدها، لما لها من خصوصية راقية، كما أن الحلقة في القنيطرة مثلا، كانت تختلف عما كان يقدم في الرباط وسلا قبل ظهور الحركة المسرحية.
وأكد فنيش في مداخلته أن المسرح كمؤسسة وكفضاء وجمهور انطلق مع العقد الثالث من القرن الماضي، من مدينة فاس في ظل الحركة الوطنية، حيث كان المسرح رفيقا ومساندا للحركة الوطنية ووسيلة للنضال السياسي، وذلك من خلال عدد من التجارب من بينها تجربة محمد القري والذي يأتي في مقدمة المؤلفين المسرحيين الأوائل، حيث التقطت الرباط وسلا تلك الإشارات والاشراقات المسرحية الأولى من فاس، وتأسست الفرق التمثيلية والأجواق في أحضان الحركة الوطنية، وانطلقت على أساس أن المسرح وسيلة للنضال السياسي وليس للفرجة، مستذكرا مسرحية صلاح الدين الأيوبي التي كانت تشكل ساعتها النموذج المسرحي الجديد في العالم العربي، والذي يعبر عن أفق انتظار الكثير من الجماهير للانعتاق من ربقة المعمر، والنضال من اجل نيل الحرية.
وأوضح أن مدينة القنيطرة لم تعرف أي جوق للمسرح قبل 1953، موضحا أن التمثيليات آنذاك كانت تقدم باللغة العربية الفصحى كإشارة للجمع ولم الناس، وليس بالدارجة التي ترمز إلى التشتت والانقسام، كما لامس بالمناسبة الكثير من المحطات المسرحية منها ظهور تجربة مسرح الشعب والمسرج الاجتماعي من خلال تجربة عبد الله شقرون عميد المسرح المغربي، فضلا عن تجربة قسم التمثيل بالإذاعة والتلفزة، ومركز التكوين بالمعمورة والذي كان يؤطره فرنسيون، فضلا عن مهرجان الوطني لمسرح الهواة، وتجربة الاقتباس التي ميزت الممارسة المسرحية بالقنيطرة في السبعينات من القرن الماضي، حيث تم مغربة المسرح، وكان من بين ابرز الذين خاضوا هذه التجربة ونجح فيها هو المرحوم الطيب لعلج موليير العرب، ثم ظهور المسرح الوطني محمد الخامس كفضاء تاريخي ومعلمة لعرض أهم انتجات وإبداعات مسرحيي الجهة، إضافة قاعة امحمد باحنيني والمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وسينمات النهضة والملكي بالرباط، والمنصور بسلا وبلاص بالقنيطرة.
كما تحدث فنيش عن الاكراهات التي رافقت انجاز بعض الفضاءات المسرحية، وعن تاريخ المسرح وتراكم المنشآت وعن الخريطة المسرحية التي أنجزت على عجل، وكذا عن مسارح المختبرات والتي بدأت مع خريجي المعهد في التسعينيات من القرن الماضي، وعن تجربة التوطين المسرحي، وعن الهوية والخصوصية المسرحيتين، التي يجب أن تتوفر في العروض المسرحية التي تقدم على صعيد الجهة.
كما تطرق الى الممارسة المسرحية التي واكبت العمل المسرحي منذ البدايات، معتبرا ان الدكتور حسن المنيعي لعب دورا كبيرا في التجربة النقدية المعاصرة، وشكلت كتاباته أولى الوثائق النقدية في هذا الجانب، وأكد ان تجربة الاحتراف المسرحي في المغرب لم تؤسس بعد، فقط يوجد متفرغون يشتغلون على هواهم، وان بطاقة الفنان مكسب للفنان المسرحي، وأن الهواة طبعوا البهاء على المسرح المغربي، وغيرها من القضايا التي تهم المسرح، داعيا في الأخير إلى تنظيم ندوات ولقاءت وفتح نقاش واسع مع المهنيين والمسؤولبين للتفكير جميعا في إعداد وثيقة للمعنيين بالأمر، تبرز عن اي ثقافة ومسرح نريد. وتم في النهاية فتح نقاش مع الحضور، والإجابة على أسئلتهم، التي همت بالخصوص تجربة الهواة على صعيد الجهة، والدور الذي يلعبه المسرح بشكل عام في تحقيق التنمية، وفتح أفاق واعدة للشباب المسرحي.
يشار أن الدورة الأولى التي تحمل اسم الراحل الطيب الصديقي من المهرجان الجهوي للمسرح بالرباط، تقام منذ ال 26 من شهر فبراير الجاري، وحتى يوم غد الجمعة، تحت شعار" من أجل ممارسة مسرحية جادة"، حيث تعرف فقرات متنوع من عروض وورشات وتكريمات وغيرها.